د.أحمد جاد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 151 تاريخ التسجيل : 25/06/2008 العمر : 63
| موضوع: السنة والشيعة الواقع والمأمول الأحد يونيو 29, 2008 6:50 am | |
| السنة والشيعة الواقع والمأمول د / أحمـد أحمـد جـاد
الإسلام دين عالمي خاتم وأهم ما يميزه عن سواه من الأديان في منهجه الحياتي والفكري والتطبيقي هو الوسطية ، وهى أحد المعالم الأساسية التي ميز الله ( سبحانه وتعالى ) بها أمة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن غيرها من الأمم ؛ فهي أمة العدل والاعتدال التي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف عن خط الوسط المستقيم ، ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه تبدو في الاعتدال والتوازن ، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك دون إفراط أو تفريط ، ودون إسراف أو تقتير ، ودون غلو أو تقصير .
وتبدو وسطية الإسلام واضحة وظاهرة في منهاجه الأعدل والأقوم ، القائم على الإيمان بالله ( سبحانه وتعالى ) وإفراده بالعبادة دون سواه . وفى القرآن الكريم والسنة المطهرة تحذير واضح من الغلو والتنطع والتشدد لمخالفة ذلك وسطية الإسلام واعتداله ، وفى الوقت ذاته تحفل سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمثلة تدل على التيسير والرفق والتسامح ، وقد بلغت الوسطية هذا المقام في الحضارة الإسلامية ؛ لأنها تمثل الفطرة الإسلامية في براءتها ، قبل أن تعرض لها عوارض ، وتعدو عليها آفات ، وبالتالي تمثل الفطرة الإنسانية في بساطتها ، وبداهتها ، وعمقها، وصدق تعبيرها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.
والوسطية في التصور الإسلامي تمثل الحق بين باطلين والعدل بين ظلمين، والاعتدال بين تطرفين ، والموقف العادل المتوازن الجامع لأطراف الحق والعدل والاعتدال ، الرافض للغلو إفراطاً وتفريطاً .وهذه الوسطية لا تعني انعدام الموقف المحدد أمام المشكلات والقضايا؛ بل هي على العكس من ذلك ، لأنها الموقف الأصعب الذي لا ينحاز الانحياز السهل إلى أحد الطرفين . وإنما هي تجمع وتؤلف بين ما يمكن جمعه وتأليفه كنسق غير متنافر وغير ملفق من السمات والقسمات والمكونات الموجودة في القطبين النقيضين كليهما... وهى لذلك وسطية جامعة.
في ضوء هذا المضمون الإسلامي المتميز لمصطلح الوسطية نفقه كل المأثورات الإسلامية التي نعيشها ، وقد قادت هذه الوسطية الجامعة الأمة الإسلامية ـ في الماضي ـ إلى إبداع حضارة وسط كانت طوق نجاتها من تمزق ، وثنائية ، وانشطارية المتقابلات المتناقضة ، لقد كانت هذه الوسطية ـ في عصر تبلور وازدهار حضارتنا الإسلامية ـ المنهج الذي يؤلف بين الروح والجسد ، والدنيا والآخرة ، والدولة والمواطن ، والواقع والمثال ، والفرد والأمة ، والمادية والمثالية ، والمقاصد والوسائل ، والثابت والمتغير ، والقديم والجديد ، والأصول والفروع ، والعقل والنقل ، والخصوصية والعالمية ، والحق والقوة ، والاجتهاد والتقليد ، والدين والعلم،... إلى آخر هذه الثنائيات، إن جاز تصور آخر لها . وكان العصر العباسي أنموذجا فريدا لتعايش المسلمين مع غيرهم من الملل الأخرى ـ فضلا عن تعايشهم مع بعضهم البعض ـ وكانت الثقافة الإسلامية من القوة بحيث ذاب فيها المسلمون وغير المسلمين ، ولم تكن هذه الثقافة طاردة بل كانت هاضمة لجهود هؤلاء وهؤلاء ، مقدّرة لهم جهدهم المبذول ، معلية قيمة العمل في حد ذاته ، بعيدا عن مذهب صاحبه ، أو نحلته ، أو عرقه .
وأمتنا في هذه الأيام تشكو من ثلاثة :غلاة وجفاة وغزاة ، فالغلاة سلكوا مسلك التعصب والعنف والتكفير والقتل والتغير والتدمير ، والجفاة يريدون قلع الأمة وبترها عن ثوابتها وأصولها ودينها ، والغزاة يتخذون بين الفريقين سبيلا لتمزيق الأمة وهز ثوابتها وفرض ثقافتهم والعبث بثروات أمتنا ومقدراتها .وهؤلاء الغزاة لم يوجدوا الخلاف في أمتنا ولكنهم وجدوا فيه الأرض الخصبة لذرع مكرهم وكيدهم وبسط سيطرتهم وليس هذا لشدة ذكائهم ولكن لغفلتنا نحن المسلمين ، وما تشهده أمتنا الإسلامية يسر العدو ويحزن الصديق ، فبين دولها وطوائفها تحريض وتحريش ، واستدعاء المسالب لطرف وإبراز المناقب لآخر وانكفاء على العصبية والرموز المذهبية والنعرات الطائفية وهذا كله يمزق وحدة أمتنا ويجعلها خارج التاريخ ، لذلك يجب التفكير في الابتعاد عن هذه الألغام الخطرة والزلزال الطائفي والبركان المذهبي والإصرار على الوحدة فما أحوجنا اليوم إلى محاولة التقريب بين المسلمين بمختلف طوائفهم ، والوقوف على جبهة واحدة ضد خصومهم ، والابتعاد عن الخلافات الفرعية التي تؤثر على أمتنا الإسلامية بالسلب ، ويمكن للشعوب الإسلامية أن تلتقي على أرضية فكرية مشتركة حيث إن ما يجمع بينهم أكثر بكثير مما يفرق .والتقريب يهدف إلى التخلص من العداوة المتبادلة بين أهل المذاهب الإسلامية المختلفة، وصيانة وحدة المسلمين ، وأن يكونوا لدينهم لا لمذاهبهم، وأن يحفلوا بالأصول الجامعة لا بالفروع والخلافات الفرعية، وأن ينسوا العداوات ويتخففوا من العصبيات ويدركوا أن العالم لا ينتظرهم، وأن الله لا يقبل عن التخلف معذرتهم. والغاية من هذه الدعوة للتقريب ليست أن يترك السني مذهبه أو الشيعي مذهبه، وإنما أن يتحد الجميع حول الأصول المُتفق عليها، ويعذر بعضهم بعضا فيما وراء ذلك، مما ليس شرطا من شروط الإيمان، ولا ركنا من أركان الإسلام ولا إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة.
كما أنه ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف بينها، بل أقصى المراد هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سببا للعداء والبغضاء. والغرض أن يحل الإخاء والتقارب محل التباعد والتضارب؛ فإن المسلمين جميعا مهما اختلفوا في أمور من الأصول أو الفروع فإنهم قد اتفقوا على مضمون الأحاديث المقطوع بصحتها عندهم من أن مَنْ شهد الشهادتين واتخذ الإسلام دينا، فقد حرم دمه وماله وعرضه ، وألا يُظن به السوء في معتقداته ، والمسلم أخو المسلم . والتسليم بهذه الحقوق للمسلم في كل مكان ، بغض النظر عن مذهبه ، وطبقته ، وجنسه ، ولونه ، ولغته.
وليتذكر الجميع ولا سيما السنة والشيعة أنه يجب الاتفات والتوجه إلى عرض التاريخ من خلال مجتمع الصحابة والقرابة معا ففي كتبنا جميعا ـ سنة وشيعة ـ روايات صحيحة يبتهج بها قلب المؤمن ويأنس بذكرها محب الدين فهذا أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول لعلي كرم الله وجهه : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إلي أن أصل من قرابتي ، ويقول لمن حوله من المسلين : أرضوا محمدا في قرابته ، وكان دائما يقول : أفتنا يا أبا الحسن ، وفي صلى العصر وانصرف فوجد الحسن بن علي يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وأخذ يقول : بأبه شبيه بالنبي لا شبيه بعلي وعلي معه يضحك . وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان دائم القول : لولا علي لهلك عمر ، ولا مكان لا بن الخطاب في أرض ليس فيها ابن أبي طالب ، وحين وضع الديوان ليوزع مال بيت المال بدأ بآل البيت وقد ظن الناس أنه سيبدأ بنفسه فقال ضعوا عمر حيث وضعه الله فكان نصيبه في نوبة بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش . أما عائشة ـ رضي الله عنها ـ فأصح الطرق في مناقب علي كان من روايتها فقد روت حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين ، وكانت تحيل السائلين والمستفتين إلى علي وطلبت بعد استشهاد عثمان ـ رضي الله عنه ـ أن يلزم الناس عليا فقد سألها عبد الله بن ورقاء الخزاعي : من نبايع ؟ فقالت : الزم عليا .وقال رجل لعبد الله بن عمر : إني لأبغض عليا ، فقال : أبغضك الله أتبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها ، هذه بعض الدرر في علي وآل البيت ، وعلى الناحية الأخرى قال علي في أبي بكر وعمر وعثمان ما يلي : فقد ورد عن أبي جحيفة أن عليا قال له : يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها ؟ فقال : بلى يا أمير المؤمنين قال : أفضل هذه الأمة أبو بكر وبعده عمر وبعد ه آخر ثالث لم يسمه . وفي الصحيحين عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن عمر وضع على سريره بعد وفاته فتكففه الناس يدعون ويصلون وأنا معهم فلم يرعني إلا رجل أخذ بمنكبي فإذا به علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني أسمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وعدت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت وجئت أنا وأبو بكر وعمر . أما عائشة ـ رضي الله عنها ـ فإن عليا كان يكرمها ويجلها ويحفظ مكانها من رسول الله فقد وقف رجلان على باب بيتها في البصرة ، فقال أحدهما : جوزيت عنا أمن عقوقا ، وقال الآخر : يا أمنا توبي فقد أخطأت ، فبلغ ذلك عليا فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كانا عليه ( الرجلان ) فأحال على الرجلين وضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما . وقد سئل علي عن الخوارج : أمشركون هم ؟ قال هم من الشرك فروا ، قالوا : أمنافقون هم ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا ، قالوا : فمن هم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا . وقد سمى علي ثلاثة من أبنائه بأبي بكر وعمر وعثمان وزوج ابنتيه فاطمة وأم كلثوم لعمر بن الخطاب ، وسمى الحسن أولاده أبا بكر وعمر وطلحة وتزوج أم إسحاق بنت طلحة بنت عبيد الله وتزوج حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وسمى الحسين ولده عمر ، ومعاوية بن مروان بن الحكم تزوج رملة بنت علي ، وجد جعفر الصادق لأمه أبو بكر الصديق فأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأم القاسم هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر لذلك كان يقول : ولدني أبو بكر مرتين ، وجعفر بن موسى الكاظم سمى ابنته عائشة . وإذا كان لكل أمة من الأمم عناصر توحدها ومقومات خاصة يقوم عليها وجودها، وتمتاز بها شخصيتها عن غيرها، وتأخذ بها مكانتها بين جميع الأمم. فإن الأمة الإسلامية لها ميزاتها ولها عناصر وجودها الخاصة، ومن هذه المقومات وتلك العناصر : عنصر التوحيد الذي جمع بين المسلمين في رابطة واحدة يستوي كل أفرادها في جميع الحقوق والواجبات .وعنصر الحرية والإخاء والمساواة حيث يضع القرآن الكريم الإنسان أمام وحدة الخالق ووحدة الأصل، والأخوة الإنسانية في إطار واحد ليتعارفوا، فكان التعارف أساس التعاون والمحبة والسلام والعدل بين الناس، فهم إخوة أحرار متساوون. وقد قدم القرآن بهذا أول فكرة لجامعة إنسانية تجعل الإنسان أخا للإنسان . ثم يأتي عنصر المسئولية المشتركة عن رعاية المجتمع وحفظ الدين وحماية الدعوة إليه وفي هذا نجد القرآن الكريم قد ربط بين الناس بأخوة حقيقية، وأقر المساواة التامة بينهم، فلا فروق ولا تمايز بين الأفراد والقبائل أو الشعوب بمقتضى الخلقة والأصل، بل بمدى ما يُقدم الفرد أو الشعب من خير ونفع للمجتمع الإنساني. وعن المساواة يقول تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، وهكذا أُضيفت قوة الأخوة في الإيمان بالدين الجديد إلي قوة الأخوة والإنسانية، والمسلمون سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . وأخيرا : يأتي مقوم حرية الاعتقاد وهو أمر يعلنه الإسلام بشكل لم تعرفه الإنسانية من قبل بقوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، وقوله: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". وكان منهج الداعين إلى الله في فتوحاتهم منهجا عادلا غاية العدل، وهذا السلوك يجب أن يكون منهج المتحاورين من المسلمين الآن في مناقشة خلافاتهم . والناظر في سير الأئمة الأعلام في تاريخنا الفقهي يجدهم يترفعون عن العصبية الضيقة، ويبرئون دين الله وشريعته من الجحود والخمول، فلا يزعم أحدهم أنه أتى بالحق الذي لا مرية فيه، أو أن على سائر الناس أن يتبعوه .وكان شعارهم في هذا قول أحد أئمتهم "هذا مذهبي وما وصل إليه جهدي وعلمي، ولست أُبيح لأحد تقليدي واتباعي دون أن ينظر ويعلم من أين قلت ما قلت، فإن الدليل إذا استقام فهو عهدتي، والحديث إذا صح فهو مذهبي".وقول الشافعي : رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب . لم يبق شك في أن أمر الأمة الإسلامية لا يصلح الآن مع الاحتفاظ بالعصبيات والاحتفاء بالخلافات ، وإحياء ما مضى في أعماق التاريخ من ضغائن ، وعداوات . ولم يعد المسلمون بحاجة إلى أن يدوروا حول الهوامش والفروع ، وأن يوسعوا ميادين الخلاف لاستنفاد الطاقات العقلية ؛ لأن العلم الإسلامي يُوشك أن ينحسر مداه عن البلاد الإسلامية بعد أن انعدم تأثيره على العالم غير الإسلامي ، وأهل العلم الديني في قلة وضعف منذ عهد طويل، ونشط أعداؤه في العصر الحديث نشاطا جديدا قوامه الادعاء بأن الثقافة الإسلامية لا تصلح غذاء للعقول في هذه العهود: عهود المدنية والحضارة. ومن ثم فهناك ضرورة للدعوة إلى حماية الأصول الإسلامية من الجهل بها أو التعصب عليها. ووجب على المسلمين الانصراف عن هذا الخلاف ونسيان العصبيات، وأن يتذكروا فقط أنهم مسلمون، دينهم واحد، وربهم واحد، وكتابهم واحد، ورسولهم واحد، وأن أهدافهم في الحياة واحدة، وأن أعداءهم مشتركون، وألا ينقسموا إلى شيعة وسنة، ويتطاحنوا، بل يجب أن يتحدوا في مواجهة تحديات مشتركة. إن سياسة الدول والأمم في العالم اليوم قائمة على التكتل والتحالف في مجموعات متعاونة، يستند بعضها إلى بعض، يلتمسون لهذا الأسباب والروابط التي تجمع بينهم. أما المسلمون فدينهم واحد وهدفهم في الحياة وبعد الممات واحد وكل شيء بينهم يدعو إلى الألفة ويساعد على الوحدة.. فعليهم أن يتفقوا ويتكتلوا وينسوا خلافاتهم ويذكروا فقط أنهم مسلمون، وأن المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.[/b][/b] | |
|