تأبط شراً
حياته
تأبط شراً هو ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي المضري ، وأمه اميمه من بني القين من فهم ولدت خمسة نفر .
تكثر الأخبار التي تدور حول الأسباب التي من أجلها حمل ثابت بن جابر لقب تأبط شراً. فقد ذكر الرواة أنه رأى كبشاً في الصحراء ، فاحتمله تحت أبطه ، فجعل يبول عليه ، فلما قرب الحي ثقل عليه الكبش فرمي به فإذا هو الغول ، فقال له قومه : ما كنت متأبطاً يا ثابت ؟ قال : الغول ، قالوا تأبطت شراً. فقال :
تأبط شراً ثم راح أو اغتدى ** يوائم غنماً او يشيف على ذحلفسمي بذلك .
وذكروا أن أمه قالت له : كل اخوتك يأتيني بشئ فقال لها : سآتيك الليلة بشئ . ومضي فصاد أفاعي كثيرة ، وأتى بها في جراب متأبطاً به ، فألقاه بين يديها وفتحه ، فتساعت . فوصبت أمه وخرجت ، فقال لها نساء الحي : ماذا أتاك به ثابت ؟ فقالت : أتاني بأفاعى في جراب ، قلن : وكيف حملها ؟ قالت : تأبطها قلن تأبط شراً ، فلزمه ذلك .
وروي الأصمعي أن تأ بط شرا خرج من البيت يوماً ، وقد أخذ سيفاً تحت إبطه . فجاء من سأل عنه أمه ، فقال : لا أدري تأبط شراً وخرج .
وكان تأبط شراً من أولئك الصعاليك يغير وحيداً على الأحياء في الليل والنهار ، فينهب ويسرع على رجلية فلا تدركه الخيل ، حتى قيل عنه إنه أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين ، وكثيراً ما كان يشترك في غاراته من عدد من الصعاليك ، أشهرهم عمرو بن براق وعامر بن الأخنس والشنفري ، فيغزون أحياء بجيلة وهذيل بخاصة .
ولما قتل الشنفري رثاه تأبط شراً واقسم أن يأخذ بثأرة .
قتل تأبط شراً في بلاد هذيل ، التي طالما أغار عليها فثأرت منه ، ورمته في غار يقال له رخمان ، وقيل بل قتل في بلاد بجيلة على جبل غار .
ديوانه
يتصف شعر تأبط شراً بالجفاء ، ويكثر من بداهة العاطفة وسذاجة الحكمة ، واندفاع الإخلاص على ما هو معروف في أخلاق سائر الصعاليك كما يمتاز بقوة الملاحظة ودقة الوصف وانتقاء التعابير الجامعة الموجزة .
وقد توزعت قصائده ومقطعاته في المفضليات والحماستين والشعر والشعراء والعقد الفريد والأغاني وقصائده في أكثرها غير كاملة .
حلة أبي وهب
لقي تأبط شراً ذات يوم رجلاً من ثقيف يقال له أبو وهب وكان جباناً أهوج وعليه حلة جيدة ، فقال أبو وهب لتأبط شراً: بم تغلب الرجال وأنت كما أرى دميم ضئيل ؟ قال : باسمي ، إنما أقول ساعة ألقى الرجل : أنا تأبط شراً فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت . فقال الثقفي : أبهذا فقط ؟ قال : فقط قال : فهل لك أن تبيعني أسمك ؟ .
قال : نعم ، فبم تبتاعه ، قال : بهذه الحلة وكنيتي لك قال له : إفعل ففعلاً وقال له تأبط شراً : لك أسمي ولي اسمك وكنيتك . وأخذ حلته وانصرف وقال في ذلك مخاطباً زوجة الثقفي :
ألا هل أتي الحسناء أن حليلها ** تأبط شراً وأكتنيت أبا وهب
فهبه تسمى أسمي وسميت باسمه ** فاين له صبري على معهظم الخطب
وأين له بأس كبأسي وسورتي ** وأين له في كل فادحة قلبي
شر يوم
جاء في الأغاني أن تأبط شراً قال : شر يوم لقيت أني خرجت حتى إذا كنت في بلاد ثمالة أطوف قرب القفير عشياً اذا أنا بسبع خلفات فيهن عبد ، فأقبلت نحوه ورميته وركبت ناقة حمراء فلما استويت عليها كرت نحو الحي وتبعتها الخلفات وخشيت أن تطرحني في أيدي القوم فرميت بنفسي عنها فانكسرت رجلي فخرجت أعرج حتى استترت في طرف كثيب فمكثت مكاني حتى أظلمت وشبت لي ثلاثة أنوار نار عظيمة ظننت أن لها أهلاً كثيراً ونار اجمز فآتيتها فنبحني الكلب نادى رجل : من هذا ؟ فقلت : بائس قال : ادن فدنوت وجعل يسائلني الى أن قال والله ما بي دم . فوثب إلى ونظر في جعبتي فإذا السهم ، فقلت : رميت العشية أرنباً .
فقال : كذبت هذا ريح دم إنسان ثم أوثقني وطرحني في البيت ونام . فلما اسحرت حركت رجلي فإذا هي صالحة، وانفتل الرباط فحللته . ثم وثبت الى قوسي وجعبتي فأخذتها وخرجت فاذا به على ناقة يتعبني وأقبل فأناخ يشتمني حتى إذا امكنني وثبت عليه وضربت به الأرض وبركت عليه أربطه ، فجعل يصيح : يا لثمالة فربطته إلى ناقته وركبتها واتجهت حتى أحللته في الحي وقلت :
أغراك مني يا ابن نغلة علتي ** وبالأمس أن رابت على روائبي
وموقد نيران ثلاث فشرها ** وألأمها إذ قدتها غير عازب
سلبت سلاحي بائساً وشتمتني ** فيا خير مسلوب ويا شر سالب
فأن أك لم أخضبك فيها فأنها ** نيوب اساويد وشول عقارب
ويا ركبة الحمراء شرة ركبة ** وكادت تكون شر ركبة راكب
حرمت النساء
لما انصرف الناس عن " المستغل " ، وهي سوق كانت العرب تجتمع بها ، قال عمرو بن جابر اخو تأبط شراً لمن حضر من قومه : لا واللات والعزى لا أرجع حتى أغير على بني عتير من هذيل . فكر عليهم فجرح منهم رئيساً ، ورماه رجل من بني عتير بسهم فقتله . فقالت بنو عتير : هذا عمرو بن جابر ، إنا نخشى أن يقتل قومه منا . فرجعوا وتركوه ، وكانوا يظنون أن معه أناساً كثيرين ، فقال تأبط شراً لما بلغه قتل أخيه :
وحرمت النساء وإن أحلت ** بشور او بمزج أو لصاب
حياتي أو أزور بني عتير ** وكاهلها بجمع دي صباب
اذا رفعت لكعب او خثيم ** وسيار يسوع لها شرابي
أظني ميتاً كمداً ولما ** أطالع طلعة اهل الكراب
وزلت مسيراً اهدي رعيلاً ** أؤم سواد طود ذي نقاب
جندب وصريم
في آخر غزوة على بني نفاثة مر تأبط شراً على رجل من بني قريم يقال له جندب بن الحارس، ومعه جار له من عدوان يقال له صريم وكان القريمي رجلاً كثير المال ، وكان سلماً للناس كلهم ويدعى لذلك : النويعم ، لنعمته ، وكان صريم حليفاً لجندب . فلما مر بهما تأبط شراً دعا أصحابة لأن يحملوا عليهما ، فأبى عليه أصحابة لأن يحملوا عليهما فرز سهماً بساحتهما وتعدوهما . فقال في ذلك تأبط شراً .
سلكوا الطريق وريقهم بحلوقهم ** حنقا وكادت تستمر بجندب
فاذهب صريم لا تخلن بعدما ** ضفوا وحلن بالجميع الحوشب
من الإله عليك فاحمل منه ** ووسيلة لك في جديلة فاذهب
مقتل غلام
أغار تأبط شراً وحده على خثعم ، فبينا هو يطوف إذ مر بغلام يتصيد الأرانب ، معه قوس ونبله . فلما رآه تابط شراً أهوى ليأخذه ، فرماه الغلام فأصاب يده اليسرى . وضربه تأبط شراً فقتله ، وقال في ذلك :
وكادت وبيت الله أطناب ثابت ** تقوض عن ليلى وتبكي النوائح
تمنى فتى منا فلاقى ولم يكد ** غلاماً نمته المحصنات الصرائح
غلام نمى فوق الخماسي قدرة ** ودون الذي قد ترتجيه النواكح
فأن تك نالته خطا طيف كفه ** بأبيض فصال نمى وهو فادح
فقد شد في إحدى يديه كنانه ** تداوي لها في اسود القلب قادح
غار العسل
ذهب الشاعر يشتار عسلاً من بلاد هذيل ، وهم اعداؤه ، وكان يأتيه كل عام . فرصدته جماعة من هذيلا ، من بطن لحيان ، حتى اذا دخل أسرعوا فوقفوا على فم الوادى . فانزلوا الحبل ، فأطلع تأبط شراً رأسه .
فقالوا : إصعدا . فقال : علام أصعد ؟ أعلى الطلاقة والفداء ؟ فقالوا : لا شرط لك . قال أتراكم آخذي وقاتلي وآكلي جناي ؟ لا والله لا افعل . ثم أخذ يسيل العسل من شق أخر للغار يؤدي إلى واد سحيق ، وعمد إلى الزق فشده بحبل إلى صدره . فلم يزل يزلق متماسكاً حتى سليماً إلى أسفل الجبل . فنهض وفاته عائداً إلى قومه . وفي ذلك نظم هذه الأبيات .
إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ** أضاع وقاسي أمره وهو مدبر
ولكن اخو الحزم الذي ليس نازلاً ** به الخط إلا وهو للقصد مبصر
فذاك قريع الدهر ما عاش حول ** إذا سد منخر جاش منخر
أقول للحيان وقد صفرت لهم ** وطابي ويومي ضيق الجحر معور
هما خطتا إما إسار ومنة ** وإما دم والقتل بالحر أجدر
وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ** لمورد حزم إن فعلت ومصدر
فرشت لها صدري فزل عن الصفا ** به كدحة والموت خزيان ينظر
فأبت الى فهم وما كدت آيباً ** وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
مكر امرأة
غزا تأبط شراً بني نفاثة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهم خلوف ليس في دارهم رجل . وكان الخبر قد أتى تأبط فأشرف فوق جبل ينظر إلى الحي وهم أسفل منه فرأته امرأة فطرح نفسه . فعلمت المرأة أنه تأبط وكانت عالقة ، فأكرت النساء فلبسن لبس الرجال ، ثم خرجن كأنهن يطلبن الضالة .
وكان أصحابة يقولون له : أغز وكان في سرية من الستة إلى السبعة . فأبى أن يدعهم وخرج يريد هذيلاً وانصرف عن بني نفاثة . فبينما هو يتردد في هذه الجبال لقي حليفاً له هذيلاً فقال له : العجب لك يا تأبط ، قال وما هو ؟ قال : إن رجال بني نفاثة كانوا خلوفاً فمكرت بكم امرأة . فقال تأبط :
ألا عجب الفتيان من ام مالك ** تقول اراك اليوم اشعث أغبرا
تبوعاً لآثار السرية بعدما ** رأيتك براق المفارق أيسراً
فقلت لها يومان يوم إقامة ** أهز به غصناً من البان أخضراً
ينحن عليه وهو ينزع نفسه ** لقد كنت أباء الظلامة قسوراً
وقد صحت في آثار حوم كأنها ** عذارى عقيل او بكارة حميراً
أبعد النفاثيين آمل طرفة ** وآسي على شئ إذا هو أدبراً
أكفكف عنهم صحبتي وإخالهم ** من الذل يعراً بالتلاعة أعفراً
فلو نالت الكفان أصحاب نوفل ** بمهمهة من بطن طر فعرعراً
ولما أبي الليثي إلا تهكماً ** بعرضي وكان العرض عرضي أوتراً
فقلت له حق الثناء فإنني ** سأذهب حتى لم أجد متأخراً
ولما رأيت الجهل زاد لجاجة ** يقول فلا يألوك أن يتشورا
دنون له حتى كأن قميصه ** تشرب من نضح الأخادع عصفراً
فمن مبلغ ليت بن بكر بأننا ** تركنا أخاهم يوم قرن معفراً
رثاء الشنفري
على الشنفري ساري الغمام ورائح ** غزير الكلى وصيب الماء باكر
عليك جزء مثل يومك بالجبا ** وقد رعفت منك السيوف البواتر
ويومك يوم العيكتين، وعطفة ** عطفت وقد مس القلوب الحناجر
تحاول دفع الموت فيهم كأنهم ** بشوكتك الحذا ضئين عواثر
فإنك لو لاقيتني ، بعد منا ترى** وهل يلقين من غيببتة المقابر
لالفيتني في غارة أدعي بها ** إليك وإما راجعاً انا ثائر
وإن تك ماسوراً وظلت مخيماً ** وأبليت حتى ما يكيدك واتر
وحتى رماك الشيب في الرأس عانساً ** وخيرك مبسوط، وزادك حاضر
وأجمل موت المرء إذ كان ميتاً ** ولابد يوماً موته وهو صابر
فلا يبعدن الشنفري وسلاحه ** الحديد، وشد خطوة متواتر
اذا راع روع الموت راع وان حمى ** حمى معه حر كريم مصابر
مكيدة
أغار تابط شراً ومعه عمرو بن براق الفهمي على بجيلة وغنما ، فخرجت بجيلة في آثارهما ودخل البجيليون في قصبة عين سبقوهما إليهما. لعطش منهما إلى العين فقال تأبط شراً لابن براق : أقل من الشراب فأنها ليله طرد . فقال : وما يدريك ؟ قال : أني لأسمع وجيب قلوب الرجال تحت قدمي ، وكان من اسرع العرب . فقال له ابن براق : ذلك وجيب قلبك . فقال تابط: والله ما وجب قط . فقال ابن براق: انا أنزل قبلك . فنزل وشرب ونزل تأبط فلما توسط الماء وثبوا عليه فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفاً، وابن براق قريب منهم لا يطمعون فيه . فقال لهم تأبط : إنه من اصلف الناس وأشدهم عجباً بعدوه ، وسأقول له استأسر معي ، فسيدعوه عجبه بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم وله ثلاثة أطلاق : أولها كالرياح الهابه والثاني كالفرس الجواد والثالث يكبو فيه ويتعثر فاذا رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني . قالوا : فافعل . فصاح به تأبط شراً : أنت أخي في الشدة والرخاء . وقد وعدني القوم أن يمنوا عليك وعلى فاستأسر وتكرم بنفسك في الشدة فضحك ابن براق وعلم أنه كادهم وقال: مهلاً يا ثابت ، أيستأسر من عنده هذا العدو ؟ ثم عدا فعدا أول طلق مثل الريح ، والثاني كالفرس الجواد ، والثالث جعل يكبو ويعثر على وجهه . فقال ثابت (تأبط) : خذوه . فعدوا بأجمعهم ، فلما ابتعدوا عنه عدا تأبط شراً في كتافه ، وعارضة ابن براق فقطع كتافه ، وأفلتا .
فقال تأبط شراً قصيدته في ذلك .
يا عيد ما لك من شوق وإيراق ** ومر طيف على الأهوال طراق
يسري على الأين والحيات محتفياً ** نفسي فداؤك من سار على ساق
إني إذا خلة ضنت بنائلها ** وأمسكت بضعيف الوصل أحذاق
نجوت منها نجائي من بجيلة إذ ** القيت ليلة خبت الرهط أرواقي
ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم ** بالعيكتين لدى معدي ابن براق
كأنما حثحثوا حصا قوادمه ** أو أم خشف بذي شث وطباق
لا شئ اسرع مني ليس ذا عذر ** وذا جناح بجنب الريد خفاق
حتى نجوت ولما ينزعوا سلبي ** بواله من قبيض الشد غيداق
ولا أقول إذا ما خلة صرمت =يا ويح نفسي من شوق وإشفاق
يوم خير
سئل تأبط شراً : أي يوم مر بك خير ؟ قال : خرجت حتى وصلت بلاد بجيلة ، وأضاءت لي النار رجلاً جالساً إلى امرأة . فخبأت سيفي ثم أقبلت حتى استأنست ، فنبحني الكلب فقال : ما هذا ؟ فقلت : بائس ، قال : ادن . فدنوت ، فاذا رجل جلحاب (أجلح)، فشكوت إليه الجوع ، فقال : أكشف تلك القصعة ، ففعلت واذا فيها تمر ولبن فأكلت حتى شبعت . ثم خررت متناوماً، وما شئت أنن اضطجع حتى اضطجع هو ورفع رجلاً على رجل ، ثم انحرف فنام ، ومالت المرأة فنامت .
فانحرفت الى الرجل فوضعت سيفي في كبده حتى أخرجته من صلبه ، ثم ضربت كتف المرأة فجلست ، فلما رأته مقتولاٌ جزعت ، فقلت : لا تخافي، أنا خير لك منه ثم قمت فرحلت بعض الابل ، وقامت تشد معي ، ثم اطردت الابل أنا والأمة . فوصلت بني عوف بن فهم وأعرست بالمرأة ثم قلت :
بحليلة البجلي بت من ليلها ** بين الإزار وكشحها ثم الصق
بأنيسة طويت على مطويها ** طي الحمالة أو كطي المنطق
فاذا تقوم فضعدة في رملة ** لبدت بريق الديمة لم تغدق
وإذا تجئ تجئ شحب خلفها ** كالأيم أصعد في كثيب يرتقي
كذب الكواهن والسواحر والهنا ** أن لا وفاء لعاجز لا يتقي
جــارتي
قالت له أمه يوماً ، ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهلهم الكمأة ؟ فقال : أعطني الجراب حتى أجتني لك فيه ؟ فأعطته ، فملأه أفاعي ، وقيل بل جاءها بالغول . وقد كثرت أخباره في هذا المعني ، من ذلك قوه يصف الغول :
تقول سليمى لجاراتها ** أرى ثابتاً يفناً حوقلا
لها الويل ما وجدت ثابتاً ** ألف اليدين ولا زملاً
ولا رعش الساق عند الجراء ** اذا بادر لحملة الهيضلا
يقوت الجياد بتقريبه ** ويكسو هواديها القسطلاً
وأدهم قد جبت جلبابه ** كما اجتابت الكاعب الخيعلا
إلى أن حدا الصبح أثناءه ** وفرق جلبابه الأليلا
على شيم نار تنورتها ** فبت لها مدبراً مقبلاً
فأصبحت والغول لي جارة ** فيا جارتا أنت ما أهولا
وطالبتها بضعها فالتوت ** بوجه تهول فاستغولا
فقلت لها يا انظري كي ترى ** فولت فكنت لها أغولا
فطار بقحف ابنه الجن ذو ** سفاسق قد أخلق المحملا
إذا كل امهيته بالصفا ** فحد ولم أره الصيقلا
عضاءة قفر لها صلتان ** من ودق الطلح لم تغزلا
فمن سال أين لوت جارتي ** فإن لها باللوي منزلا
وكنت إذا ما هممت اعتزمت ** وأحر إذا ما قلت أن أفعلاً
فجللتها مرهفاً صارماً ** أبان المرافق والمفصلا
مقتل ببر
خرج تأبط شراً يريد أن يغزو هذيلا في رهط، فنزلوا على " الأحل ابن قنصل"، رجل من بجيلة كان حليفاً لهم ، فرحب بهم ثم ابتغى لهم الذراريح ( ذباب سمه قاتل) فيسقيهم من سمه ويستريح منهم ففطن له تأبط شراً فقام إلي أصحابه فقال : إني أحب ألا لا يعلم أنا قد فطنا له ولكن سابوه حتى نحلف أنا لا نأكل من طعامه ونشرب من شرابه فأقبلوا عليه وسبوه وحلفوا أن لا يذوقوا من طعامه وشرابه ثم خرجوا ووصلوا بطن واد فيه الببور ( نوع من الأسود) وهي لا يكاد يسلم منها أحد ، والعرب تسمى الببر ذا اللونين ، وبعضهم يسميه السبنتي ، فنزل تأبط شراً في بطنه وقال لأصحابة : أنطلقوا جميعا فتصيدوا فخرجوا وصادوا وتركوه في بطن الوادي ، فجاؤوا فوجدوه وقد قتل ببراً وحده، وغزا هزيلاً فغنم وأصاب . فقال :
وأقسمت لا أنسى وإن طال عيشنا ** صنيع لكيز والأحل بن قنصل
نزلنا به يوما فساء صباحنا ** فإنك عمري قد ترى أي منزل
بكى إذ رآنا نازلين ببابه ** وكيف بكاء ذي القليل المسبل
فلا وأبيه ما نزلنا بعامر** ولا عامر حتى الرئيس بن قوقل
ولا بالسليل رب مروان قاعداً ** بأحسن عيش والنفائي نوفل
ولا ابن وهيب كاسب الحمد والعلا ** ولا ابن جري وسط آل المغفل
ولا ابن رياح بالزليفات دارة ** رياح بن سعد لا رياح بن معقل
فأولاء أعطى للولائد خلفة ** وأدعى إلي شحم السديف المرعبل
مقال الكاهن
ذكروا أن تأبط أغار على خثعم ، فقال كاهن لهم : أروني أثره حتى آخذه لكم ، فلا يبرح حتى تأخذوه ، فجاؤوا بأثر له وارسلوه إلي الكاهن : فلما رأي أثره قال : هذا ما لا يجوز على صاحبه الأخذ فقال تأبط شراً :
ألا أبلغ بني فهم بن عمرو ** على طول التنائي والمقاله
مقال الكاهن الجامي لما ** رأى أثري وقد أنهبت ماله
رأي قدمي وقعهما حثيث ** كتحليل الظليم دعا رئاله
أرى بهما عذابا كل عام ** لخثعم أو بجيلة أو ثماله
وشر كان صب على هذيل ** إذا علقت حبالهم حباله
ويوم الأزد منهم شر يوم ** إذا بعدوا فقد صدقت قاله
في الأزد نوح
خرج تأبط شرًا غازيا على الأزد ، فكمنت له الأزد، وأهملت له إبلا وتبعه ثلاثة من ذوي البأس كي يأخذوه أخذاً وهم : حاجز بن أبي ، وسؤاد بن عمرو بن مالك وعرف بن عبد الله وأقبل تأبط فجمع الأبل وصنع طعاما فأكل ، والقوم ينظرون إليه ثم أضرم ناراُ واصطلى ثم أخمدها وزحف على بطنه ومعه قوسه ، حتى دخل بين الابل خشية أن يكون رآه أحد ، وكان يأبى إلا الحذر فمكث ساعة وقد هيأ سهما على قوسه ، فلما أحسوا نومه أقبلوا نحو المهاد الذي هيأه فرمى أحدهم فقتله حاجز ، فأخذ سلب الرجلين ، واستاق الابل حتى جاء بها قومه، ثم نظم الابيات.
ترجى نساء الأزد طعمة ثابت ** أسيراً ولم يدرين كيف حويلي
فإن الألى أوصيتم بين هارب ** طريد ومسفوح الدماء قتيل
وخذت بهم حتى إذا طال وخدهم ** وراب عليهم مضجعي ومقيلي
مهدت لهم حتى إذا طال روعهم ** إلي المهد خاتلت الضيا بختيل
فلما أحسوا النوم جاؤوا كأنهم ** سباع أضافت هجمة بسليل
فقلدت سوار بن عمرو بن مالك ** بأسمر جسر القدتين طميل
فخر كأن الفيل ألقى جرانه ** عليه بريان القواء أسيل
وظل رعاع المتن من وقع حاجز** يخر ولو نهنهت غير قليل
ولا بت كما أبا ولو كنت تتابعا ** وإنك لم ترجع بغوص قتيل
ستأتي الي فهم غنيمه خلسة ** وفي الأزد نوح ويلة بعويل
غارة عن الأزد
خرج تأبط شراً ومعه مرة بن خليف يريدان الغارة على الأزد ، فمضيا حتى وصلا إلي جبال يصيح عليها الطير، وإذا البيض والفراخ بظهور الأكم، فقال تأبط : هلكنا واللات يامرة ، ما وطئ هذا المكان انس قبلنا ولو طئته انس ما باضت الطير بالأرض
فاختر أية هاتين القنتين شئت ، فأصعد إحداهما وتصعد أنت الأخرى، فان رأيت الحياة فألح بالثوب وإذا رأيت الموت فألح بالسيف ، فإني فاعل مثل ذلك ، فأقاما يومين ، ثم إن تأبط شراً ألاح بالثوب، وانحدرا حتى التقيا في سفح الجبل ، فقال مرة : ما رأيت يا ثابت؟ قال : دخاناً أو جراداً وسمعا صوتا فتبعاه، وقال تأبط : النعم والناس ، أما والله ولئن عرفنا لنقتلن ولئن أغرنا لندركن ، فأت الحي من طرف وأنا من الآخر ففعلا ودخلا شعباً ثم سمعا حساً على باب الشعب ولم يلبث الحس أن اقترب فحمل تأبط على القوم وقتل رجلاً ورموه بسهم فجرح وأفلتا بأنفسهما وكان الحي الذي أغاروا عليه بجيلة وأتى تأبط امرأته فلما رأت جرحه ولولت ، فقال تأبط في ذلك :
وبالشعب إذ سدت بجيلة فجه ** ومن خلفه هضب صغار وجامل
شددت لنفس المرء مرة خزمه ** وقد نصبت دون النجاء الحبائل
وقلت له كن خلف ظهري فإنني ** سأفديك وانظر بعد ما أنت فاعل
فعاذ بحد السيف صاحب أمرهم ** وخلوا عن الشيء الذي لم يحاولوا
وأخطأهم قتلي ورفعت صاحبي ** على الليل لم تؤخذ علي المخاتل
وأخطأ غنم الحي مرة بعدما ** حوته إليه كفه والأنامل
يعض على أطرافه كيف دونه ** ودون الملا سهل من الأرض ماثل
فقلت له هذي بتلك وقد يرى ** لها ثمناً من نفسه ما يزاول
تولول سعدى أن أتيت مجرحاً ** إليها وقد منت علي المقاتل
وكأئن أتاها هارباً قبل هذه ** ومن غانم أو أين منك الولاول
الرد على حاجز
بعدما تأبط من كمين نصبته له الأزد، وقتل اثنين من ثلاثة هموا بقتله ، قال حاجز بن أبي الأزدي وهو الثالث الذي فر ، أبياتاً في الرد على تأبط ومطلعها " سألت فلم تكلمني الرسوم" فأجابه تأبط شراً :
لقد قال الخلي وقال حلساً ** بظهر الليل شد به العكوم
لطيف من سعاد عناك منها ** مراعاة النجوم ومن يهيم
وتلك لئن عنيت بها رداح ** من النسوان منطقها رخيم
نياق القرط غراء الثنايا ** وريداء الشباب ونعم خيم
ولكن فات صاحب بطن رهو ** وصاحبه فأنت به زعيم
أواخذ خطة فيها سواء ** أبيت وليل داثرها نؤوم
ثأرت به وما أقترفت يداه ** فظل لها بنا يوم غشوم
نحز رقابهم حتى نزعنا ** وأنف الموت منخره زغيم
وإن تقع النسورعلى يوماً ** فلحم المعتفى لحم كريم
وذي رحم أحال الدهر عنه ** فليس له لذي رحم حريم
مددت له يميناً من جناحي ** لها وفر وخافية رحوم
أواسيه على الأيام إني ** إذا قعدت به اللوما ألوم
حمل تأبط على خثعم مع نفر من أصحابه، بينهم الشنفرى، فانهزمت خثعم وتفرقت في الجبال ، ومضى تأبط وأصحابه بما غنموا فقال في ذلك :
جزى الله فتياناً على العوص أشرقت ** سيوفهم تحت العجاجة بالدم
وقد لاح ضوء الصبح عرضاً كأنه ** بلمحته أقراب أبلق أدهم
فآب بلا ذم وأدرك رحله ** وصاح على إدبار حرم عرمرم
وضاربهم بالسيف إذ عارضتهم ** قبائل من أبناء بشر وخثعم
ضراباً غدا منه أبي بن جابر ** ذرى الصخر في جوف الجبال المزنم
الشاعر والغول
جاء عند الأصمعي ، راوية العجائب والغرائب، أن الشاعر أتته ليلة ذات ظلمة وبرق ورعد ، في إحدى غاراته فاضطر إلي المبيت في مكان يقال له رحى بطان ، وإذا بالغول تعترضه وتراوغه ، وهي تظهر غالبا في الليل كما يبدو ، فياركها ويضربها بسيفه حتى يقتلها لكنه يخاف فيظل متكئاً عليها حتى الصباح وفي ذلك يقول :
ألا من مبلغ فتيان فهم ** بما لاقيت عند رحى بطان
وإني قد لقيت الغول تهوي ** بسهب كالصحيفة صحصحان
فقلت لها كلانا نضو أين ** أخو سفر فخلي لي مكاني
فشدت شدة نحوي فأهوى ** لها كفي بمصقول يماني
فأضربها بلا دهش فخرت ** صريعاً لليدين واللجران
فقالت عد فقلت لها رويداً ** مكانك إنني ثبت الجنان
فلم أنفك متكئاً عليها ** لأنظر مصبحاً ماذا أتاني
إذا عينات في رأس قبيح ** كرأس الهر مشقوق اللسان
وساق مخدج وشواه كلب ** وثوب من عباء أو شنان
لا أبت آمناً
كان الشاعر قد غزا بجيلة مع ابن عم لزوجته ولكن بجيلة تمكنت منهما ، فقبضت على صاحبه وقتله ونجا تأبط شراً بنفسه ، فجاء امرأته فعنفته على تركه صاحبه، فقال في ذلك هذه القصيدة يبرر هزيمته ويعتذر :
ألا تلكما عرسي منيعة ضمنت ** من الله إثما مستمراً وعالنا
تقول تركت صاحباً لك ضائعا ** وجئت إلينا فارقاً متباطنا
إذا ما تركت صاحبي لثلاثة ** أو اثنين مثلينا فلا أبت آمنا
وما كنت أباء على الخل إذ دعا ** ولا المرء يدعوني ممرا مداهنا
وكري إذا اكرهت رهطاً وأهله ** وأرضاً يكون العوص فيها عجاهنا
ولما سمعت العوص تدعو تنعرت ** عصافير رأس من غواة فراتنا
ولم أنتظر أن يدهموني كأنهم ** ورائي نحل في الخلية داكنا
ولا أن تصيب النافذات مقاتلي ** ولم أك بالشد الذليق مداينا
فأرسلت مثنيا على الشر عاطفاً ** وقلت تزحزح لا تكونن خائنا
وحثحثت مشعوف النجاء كأنني ** هجيف رأي قصراً سمالا وداجنا
من الحصر هزروف كأن عفاءة ** اذا استدرج الفيفاء مد المغابنا
أزج زلوج هزرفي زفازف ** هزف يبذ الناجيات الصوافنا
فزحزحت عنهم أو تجئني منيتي ** بغبراء أو عرفاء تغزي الدفائنا
كأني أراها الموت لا در درها ** إذا أمكنت أنيابها والبراثنا
وقالت لأخرى خلفها وبناتها ** حتوف تنفى مخ من كان واهنا
أخاليج وراد على ذي محافل ** إذا نزعوا مدوا الدلا والشواطن
فأدبرت لا ينجو نجائي نقنق ** يبادر فرخيه شمالاً وداجنا
المصدر : ديوان الصعاليك - د . يوسف شكرى فرحات