د.أحمد جاد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 151 تاريخ التسجيل : 25/06/2008 العمر : 63
| موضوع: الدروس المستفادة من فتح مكة الأربعاء يوليو 02, 2008 6:39 am | |
| الدروس المستفادة من فتح مكة
في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وقعت غزوة فتح مكة، وقد حفلت هذه الغزوة الكبرى بدروس نافعة ينبغي أن تتدبرها أمتنا العربية والإسلامية ، والدرس الأول : على المسلمين أن يمتلكوا المبادأة ؛ لأن الذي يملك المبادأة يجعل خصمه محصورا في نطاق "رد الفعل" ، وإحراز المبادأة من أهم عوالم النجاح والنصر في السياسة والحرب على حد سواء ، الدرس الثاني : تحقيق المفاجأة وخداع العدو والمفهوم العلمي للمفاجأة أو المباغتة هو "إحداث موقف لا يكون العدو مستعدًا له" ، وهذا المستوى من المفاجأة ليس أمراً يسيراً خاصة لأنه يتطلب تخطيطاً غاية في المهارة والحذق والسرية والخداع وليس من شك في أن تحقيق المفاجأة له آثاره النفسية التي تفعل فعلها في نفوس وعقول من يتعرضون لها وفي كفاءتهم وإرادتهم القتالية بالتالي.
الدرس الثالث:عزل العدو دوليًّا ومن أهم وسائل إدارة الصراعات أن نفرض العزلة الدولية على عدونا حتى يتلفت حوله فلا يجد حليفًا أو نصيرًا، وهذا هو الوضع الذي فرضه المسلمون على قريش فقد جردها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من الحلفاء والمناصرين عن طريق عقد الاتفاقيات والمعاهدات مع مختلف القبائل العربية لكفالة حرية الدعوة وحسن الجوار والمعاملة، فكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات حرمان قريش من قوى كان يمكنها أن تتحالف معها أو تشد أزرها.
الدرس الرابع : تجريد العدو من إرادة القتال لأن الحرب في حقيقتها "صراع بين إرادتين": إرادتنا وإرادة عدونا، والطرف الذي يفقد الإرادة القتالية سوف يكون هو الخاسر المهزوم . ولقد كان من الأمور البارزة في غزوة فتح مكة حرص الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على تجريد قريش من إرادة المقاومة والقتال بعدة وسائل أولها : غزو قلب وعقل ونفس زعيم قريش أبي سفيان بإقناعه عن طريق "إظهار القوة وتجسيدها" بأنه لا جدوى من المقاومة وقتال المسلمين ، وقد حاول تجريد قريش نفسها من إرادة القتال : وذلك عن طريق تنظيم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لجيش المسلمين على نحو يضعف الدافع لدى المشركين إلى القتال ويجعلهم يترددون في المقاومة .
الدرس الخامس : الإسلام دين سلام ودين قوة فقد كان قرار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يتم فتح مكة بلا قتال وكان حريصًا على ذلك كل الحرص وهو ما ينطق به أسلوبه في إدارة المعركة والسيطرة المحكمة على كل مرحلة من مراحلها، ولقد بلغ من حرصه -صلى الله عليه وسلم- على تجنب القتال أنه بلغه أن سعد بن عبادة الذي كان يقود رتلاً من الأرتال الأربعة التي يتألف منها جيش المسلمين قال: "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" فأخذ الراية منه ودفعها إلى ابنه قيس بن سعد حتى يحول دون اندفاع سعد لإثارة الحرب.
الدرس السادس: في الإسلام "لا ويل للمغلوب" وإذا كان من شأن المنتصر أن يستبد ويملي شروطه بدافع الغيظ والتشفي والانتقام والغرور بالقوة، فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم – رغم ما فعلت قريش ضد الإسلام والمسلمين- لم يفعل شيئاً من ذلك، بل كان كل همه وكل قصده أن يؤلف قلوب المشركين، ويجعلها تقبل على الإسلام الذي هو دين السلام.
الدرس السابع: السلام لا يعني الاسترخاء في الإعداد وبناء القوة كان جيش الإسلام في غزوة فتح مكة عشرة آلاف مقاتل، ولكن بعد الفتح واستسلام العدو الرئيسي للإسلام (قريش) ارتفعت قوة الجيش حتى بلغت ثلاثين ألف مقاتل في غزوة تبوك عام 9 هـ، ومعنى ذلك أنها خلال عام واحد وصلت إلى ثلاثة أمثالها يوم الفتح.هذه الحقيقة التاريخية تستحق أن نتدبرها ونستخلص الدرس منها، وهو درس ينطوي على المبادئ التالية:إن إعداد القوة التي ترهب العدو واجب مستمر في السلم والحرب على حد سواء. إن فترات الهدنة أو السلام لا تعني الاسترخاء في الإعداد وبناء القوة. إن الإسلام دين سلام ورحمة، لكنه في الوقت نفسه – دين قوة، فهو دين عملي، يأخذ الحياة من واقعها، وينظر إلى الناس من خلال فطرتهم التي فطروا عليها، فقد راعى طبائع الخلائق، وميلها إلى المشاحنات فأمر أهله بإعداد القوة لا ليعتدوا بها على الآخرين بل ليدافعوا بها عن أنفسهم ويرغموا أعداءهم أن يلزموا حدودهم. وأخيرًا، فإن السلام الذي يدعو إليه الإسلام هو: السلام الذي تحميه القوة؛ لأن القوة هي أكبر ضمان لتحقيق ذلك السلام والمحافظة عليه.
د / أحمد أحمد جاد | |
|