عدد المساهمات : 151 تاريخ التسجيل : 25/06/2008 العمر : 63
موضوع: كتاب عيون الأخبار الجمعة يونيو 27, 2008 10:16 am
عيون الأخبار
مصنف ألفه( أبو محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري ) الذي ولد ببغداد ، أو الكوفة من أسرة فارسية كانت تسكن مدينة ( مرو ) سنة 213 هـ ـ 828 م ، في أواخر خلافة المأمون ، ونشأ ببغداد ، وتتلمذ فيها على أعلام عصره مثل : والده مسلم بن قتيبة ، ومحمد بن سلام الجمحي ، والقاضي يحيى بن أكثم ، وسواهم ؛ وهو أحد العلماء الأدباء ، والحفاظ الأذكياء ، كان إماما في اللغة والأدب والأخبار وأيام الناس ، متفننا فيها ، صادقا فيما يرويه ، عالما بمشكل القرآن ومعانيه ، وغريب الحديث ومراميه ، ودقيق الشعر ومغازيه .
ولابن قتيبة مؤلفات كثيرة تربو على الستين مصنفا فيما ذهب إليه النووي ، أو زهاء ثلاثمائة مصنف فيما نقله ابن تيمية عن صاحب كتاب التحديث بمناقب أهل الحديث ، ومن هذه المؤلفات : صناعة الكتابة ، غريب الحديث ، تفسير غريب القرآن ، المعارف ، أدب الكاتب ، إعراب القرآن ، جامع الفقه ، دلائل النبوة ، حكم الأمثال ، وسواها . وقد اختلفت الأخبار في تعيين سنة وفاته وأصحها أنها كانت أول ليلة من رجب سنة 276هـ ـ 889 م .
وعيون الأخبار نمط من المصنفات الموجهة لخدمة أغراض تربوية ، أو تعليمية ، أو تهذيبية ، يلبي رغبة حب استطلاع المتلقي إلى كل ما هو جديد ؛ لذلك جعلها للخاص والعام ، فجاء تقريريا لا تحليليا ، يقول ولم أرى صوابا أن يكون كتابي هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب الآخرة ، وعلى خواص الناس دون عوامهم ، ولا على ملوكهم دون سوقيهم ، فوفيت كل فريق منهم قسمه ، ووفيت عليهم سهمه ) .
ومواد هذا الكتاب مستقاة من مصادر شفهية موثوق بها ، أو منقولة عن مصنفات مدونة عربية أو أجنبية ، وقد أشار إلى تنوعها في مقدمته بين الأجنبي وغيره ، القديم والحديث ، الشفهي والتحريري ، وبين الغاية من مصنفه في قوله فإن هذا الكتاب ـ وإن لم يكن في القرآن والسنة وشرائع الدين وعلم الحلال والحرام ـ دال على معالي الأمور ، مرشد لكريم الأخلاق ، زاجر عن الدناءة ، ناه عن القبيح ، باعث على صواب التدبير ، وحسن التقدير ، ورفق السياسة ، وعمارة الأرض ...) وهو ( لقاح العقول ونتاج أفكار الحكماء ، والمتخير من كلام البلغـاء وفطن الشعراء ، وسير الملوك ، وأثار السلف ) .
فهو ـ إذن ـ موسوعة أدبية جامعة ، يعرض فيه مؤلفه ألوانا شتى من المعرفة في أساليب متخيرة ، وعبارات رائعة ، وتراكيب صافية ؛ وقد صنف عيونه في عشرة كتب ، كل كتابين يتشابهان في موضوعهما وغاياتهما على هذا النحو :
كتابا السلطان والحرب ، الأول في السلطة ، والثاني في القوة أداة السلطة ؛ في الأول يتحدث عن محل السلطان ، واختلاف أحواله ، وسيرته ، وعما يحتاج صاحبـه إلى استعماله من الآداب في صحبته وفي مخاطبته ، ومعاملته ، وما يجب عليه في اختبار عماله وقضائه وحجابه وكتابه . وفي الثاني يقول : وهذا الكتاب مشاكل لكتاب السلطان فضممته إليه ، وجعلتهما جزءا واحدا ، وفيه الإخبار عن آداب الحرب ومكايدها ، ووصايا الجيوش ، وعن العدد والسلاح والكراع ، وما جاء في السفر والمسير والطيرة والفأل ، وما يأمر به الغزاة والمسافرون ، وأخبار الجبناء والشجعاء ، وحيل الحرب وغيرها .
كتابا السؤدد والطبائع : فالأول مشاكل للطبائع والأخلاق ، وكأنه يجمع بين الجاه في مفهومة النظري ، والجاه في مفهومه الخلقي التطبيقي متمثلا في الطبائع والأخلاق التي تحكم سلوك صاحب السؤدد والجاه .
كتابا العلم والزهد : فالأول يمثل خلاصة النظر الخلقي إلى الحياة والإنسان ، والثاني يمثل خلاصة السلوك العملي الخلقي في هذه الحياة والعزوف عن ملذاتها .
كتابا الإخوان والحوائج والصلة بينهما تتمثل في وجوب اتخاذ الإخوان واختيارهم ، وهذه حقيقة في المثاليات الخلقية النظرية ، وهي نابعة في الحوائج التي تحكمها المثاليات الخلقية العملية .
كتاب الطعام وكتاب النساء ، وبينهما تقارب لاشك فيه ، وهذا التقارب لا يخفى على الأذهان .
والملاحظ أنه يستقي هذه العلوم من المصادر الإسلامية ، والمصادر الأجنبية ؛ من أخبار ونوادر ، وحكم وأقوال ، وطرائف وأشعار ، وينسق بين هذه الأخبار والعيون تنسيقا عاما يعتمد على اتفاقهما في المضمون الذي يريد بيانه ، وعلى هذا فإنه يجمع بين العربي والإسلامي من الأخبار بلا فواصل ، ويجمع في اقتباساته الشعرية بين القديم والحديث دون فواصل ـ أيضا ـ ودون ترتيب تاريخي ، ودون نسبة الشعر إلى قائليه في أحوال كثيرة ، ويدل ذلك على أن كل هذه الأمور قد أصبحت ملكا لأفراد المجتمع العباسي ، ومنهلا من مناهلهم الثقافية ؛ ومن ذلك كله تظهر قيمة كتاب عيون الأخبار العلمية بما حوته فصوله من مختلف المعارف ، وما بذله صاحبه في جمعها من جهد ، وما تحرى فيها من اختيار وتدقيق ، يقول : ( جمعت لك منها ما جمعت في هذا الكتاب لتأخذ نفسك بأحسنها ….. وتروضها على الأخذ بما فيها من سنن حسنة ، وسيرة قويمة ، وأدب كريم ، وخلق عظيم ، وتصل بها كلامك إذا حاورت ، وبلاغتك إذا كتبت ، وتستنجح بها حاجتك إذا شفعت ، وتخرج من اللوم بأحسن العذر إذا اعتذرت ، فإن الكلام مصايد القلوب والسحر الحلال ….).
ولفضل هذا الكتاب ، وعظيم قيمته العلمية جعله أبو بكر بن دريد ـ وهو العالم ، الثبت ، الثقة ـ من متنزهات القلوب ، وذلك حينما تذاكر معه جماعة من جلسائه متنزهات الدنيا، وسمى كل منهم أنزه مكان رآه فقال : هذه متنزهات العيون ، فأين أنتم من متنزهات القلوب ؟ قالوا : وما هي ؟ قال : عيون الأخبار للقتبي ، والزهرة لابن داود ، وقلق المشتاق لابن أبي طاهر .
ولنتبين هذه المنزهات نذكر شيئا مما كتبه في كتابه الأول(كتاب السلطان)فيقول السلطان والدين أخوان ؛ لا يقوم أحدهما إلا بالآخر ).
كانت الحكماء تقول : ( عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان ).
كتب أزدشير بن بابك إلى رعيته : ( السلام عليكم فإنا بحمد الله صالحون ، وقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظفة عليها . ونحن مع ذلك كاتبون لكم بوصية : لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط ، وتزوجـوا في القرابين ؛ فإنه أمس للرحم ، وأثبت للنسب ، ولا تعدوا هذه الدنيا شيئا فإنها لا تبقى على أحد ، ولا ترفضوها مع ذلك ؛ فإن الآخرة لا تنال إلا بها ) .
كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر : ( املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها … واعلم أنك تملك الأبدان فتخطها إلى القلوب بالمعروف . واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول قدرت على أن تفعل ؛ فاجهد ألا تقول ، تسلم من أن تفعل ) .
هذا جزء يسير من كتاباته الممتعة في كتابه الذي معنا وهي تثبت ما قاله ابن دريد وغيره في أنه من متنزهات القلوب .