د.أحمد جاد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 151 تاريخ التسجيل : 25/06/2008 العمر : 63
| موضوع: عار مكشوف وضمائر غائبة السبت أغسطس 23, 2008 9:49 am | |
| عار مكشوف وضمائر غائبة الفضيلة هي : الدرجة الرفيعة في حسن الخلق ، وهي خلق الكمال للأفراد ، ودرع الوقايـة للجماعات ، وإذا اتصف الفرد بالخلق الكامل ، اتصف المجتمع بالخلق الفاضل . والفاضل من الأشخاص هو من لا يظهر منه إلا الخير ، فلا يعلن منكرًا ، ولا يخفي معروفًا ، إلا إذا تطلبتـه الأخلاق ، وأوجبته المروءة . والفاضل من المجتمعات هو الذي تنزوي فيه الجرائم ، ويختفي فيه الأشرار ، فحيث اختفت الجرائم والمعاصي من سطح المجتمع ، ولم يعلنها الذين يقومون بها ، فالمجتمع فاضل ؛ فاختفاء الرذائل يميتها ، أو على الأقل يضعف صوتها ، ولا تجد سبيل الدعاية إليها .والمجتمع الفاضل لا يقاس بعدد الفضلاء فيه ، وقلة عدد الأشرار فقط ، بل يقاس باختفاء الرذائل ، وظهور الفضائل ، فالمجتمع الفاضل يظهر على سطحه الخير ، ويختفي فيه الشر ؛ فالإعلان والظهور دعاية لما يعلن ويظهر ، وتكرار الظهور للمنكر يجعل النفس تألفه ، وإذا ألفته فعلته ! والأمم الفاضلة تحرص على سلامة المظهر العام ، وتترك الناس في حياتهم الشخصية يفعلون ما يشاءون ، تاركين ذلك لمراقبة ضمائرهم وأخلاقهم ، كأنهم يعملون بقوله تعالى :يا أيها ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ حتنبوا كثيرا من ﭚ ﭴ ﭼ الحجرات: ١٢ . وظهور الشر عار مكشوف ، يجعل المجتمع غير فاضل ، فإذا كانت الصور العارية تظهر في الصحف والنشرات والمجلات ، والأغاني المائعة تسمع ، والرقص الخليع يرى في دور السينما والمسرح والتلفاز ، والمجاهرة بالمعاصي تعلن ، والتهجم على المعاني الروحية ينشر ، إذا كان كل ذلك موجودا ، فالمجتمع لا يكون فاضلاً ، ولو كثر عدد الفضلاء فيه ؛ لأنهـم وإن كثروا لا يظهـرون ، والشر ـ وإن قل ـ يظهر ويلح في الظهور ، وإذا كان الحق أبلج نيرًا ، فلجلجة الباطل تخفي نوره ، وتستر ضوءه !.والإسـلام حريص على أن تختفي الرذائـل من الأفراد والمجتمعات ؛ لذلك حد حدودا رادعة للمحافظة على مظهر المجتمع بحيث يكون فاضلا ، وأمر أولي الأمر بتنفيذها ، وبجانب ذلك دعا إلى التحلي بخلق الحياء ، لكيلا يظهر الشر ، وعده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلق الإسلام ، فقال فيما رواه مَالِك عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ سَلَمَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ " رواه مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإيمان ، فالإسـلام ـ إذن ـ يريد مجتمعًا فاضلاً ، لا يظهر فيه إلا الخير ، فلا يكون فيه تحريض على الرذائـل بإعلانها ، ولا دعوة إليها بإفشائها ، ولا تسهيل لها عند ذوي القلوب المريضة ، والنفوس المأفونـة ، فيفعلونها . ولهذا كله كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو إلى البعد عن المجـاهرة بالمعـاصي ، فقد ورد عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَـدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُـرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ " ! رواه البخاري . فشيوع الرذائل أو ظهورها يفسد المجتمع ، فينحل ، وتذهب ريحه .وفي بعض المجتمعات الإسلامية الآن المعاصي تظهر ، والفضائل تغمر ، والأقوال الباطلة تعلن ، والأقوال الطيبة تخفت !! فاستمرأ الناس فيها الشر ، واستحبوا الرذيلة ! وعلى عهد قريب كانت المنكرات إذا ظهرت بين النـاس لاقت استنكارًا ، فلما كثر ظهورها ، قل استنكارها ، حتى صار بعض الناس ينظر إليها كأنها غير منكرة ؛ فكثرة رؤيتها ألفت بينها وبين المستنكرين لها رويدًا رويدًا ، وإذا لم يفعلوها ، فإنهم لم ينكروها ، والفرق بين المرتبتين ليس كبيرًا . وكثرة ظهور الشر ، تجعل أهل الحق في يأس من تغييره ، وإذا كان اليأس من التغيير موجودا ، ثبتت أركان الشر ، وقويت دعائمه ، ومهما يكن مقدار غرسه قليلاً ، فإن بقاءه ضرر لا شك فيه .كذلك في بعض مجتمعاتنا الآن دعوات هدامة عنيفة ، وصرخات صاخبة ، تُحسِّن القبيح ، وتقبـح الحسن ، وتستنكر المعروف ، وتقر المنكر !! حتى أصبح صوت الداعي إلى الحق ، المتمسك به ضعيفا وسط ضجيج الباطل وصخبه ، وإذا حاول أن يُسمع صوته اتجهت إليه لائمة القول ، كأنه يأتي منكرًا ، أو يقول زورًا ! وهكذا ضلت النفـوس الطالبة للحق وسط تلك الصيحات ، وإن لم تستمع إليها ، أو تذعن لها ! إن الناطق بالحق والمعروف يحس بصعوبة شديدة في إسماع صوته ، بل إنه ليتردد ، قبل النطق ، حتى لا تنتهب كرامته تلك الأقلام القارضة للفضائل ، المثيرة لأقبح الرذائل ـ وللجاجة الباطل ـ صار الناطق بالحق يوصف بالجرأة والتضحية ، إذ يتعرض للأذى فداء لقوله الحق ! والمجتمع الفاضل يجب أن تتوازن فيه كل القوى ، فلا تطغى قوة على قوة . ولكي تكون القوى متوازنة ، يجب أن تكون الحريات كلها متلاقية متجهة نحو البناء ، ونحو تثبيت الدعائم : فحرية القول يجب أن تكون في دائرة متزنة ، لا يضيق فيها القول في جانب ويتسع في جانب ، فلا يكون لأحد الفريقين الانطلاق ، وللآخر الانزواء ، وإنه إن كان الانطلاق في جانب كان التقييد في جانب . وفي بعض مجتمعاتنا الآن أُعطى الشر كل القوى ، والخير قد سُلب كل القوى ، ونتيجة لذلك أحجم الناس عن قول الحق مخافـة السخرية منهم والاستهزاء بهم ، والانتقام منهم والفتك بهم .ولا يسعني في النهاية إلا أن أدعو بدعاء الرسـول ـ صلى الله عليه وسلم : « اللهم جنبني منكرات الأخلاق ، والأهواء ، والأعمال والأدواء » رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحينفقولوا معي إنه سميع الدعاء .د/ أحمد أحمد جاد | |
|