د.أحمد جاد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 151 تاريخ التسجيل : 25/06/2008 العمر : 63
| موضوع: الفرزدق حياته من شعره الخميس يناير 15, 2009 4:30 am | |
| اسمه ولقبه: هو همام بن غالب بن صعصعة بن ناحية بن عاقل ، من مجاشع ابن دارم ، من تميم . والفرزدق لقب غالب عليه و معناه الرغيف الضخم ، الذي يجففه النساء للفتوت ، أو القطعة من العجين ، التي يخبز منها الرغيف ، ولما كان وجهه غليظا جهما شبه بذلك ( ) . وأبوه غالب كان سيد بادية تميم . وكان جده عظيم القدر في الجاهلية . حياته و أخلاقه : ولد الفرزدق بالبصرة ، ونشأ بباديتها( ) والبصرة كانت مسرحا لكثير من الأحداث والحركات السياسية ، كما كانت تموج بالعلم والفكر ورواية الشعر . وليست لدينا أخبار وافية عنه ، بحيث تدلنا على تفاصيل نشأته وحياته . وحياته من حيث الزمن طويلة ، فقد عمر حتى قارب المائة ( ) . ومن حيث المكان عريضة عرض الدولة الإسلامية العربية آنذاك ، ومن حيث الخصب والعمق ، كانت حياته خصبة غنية ، متنوعة متشبعة مليئة بالأحداث . وكان أساس حياته الشعر ، فهو المحرك لكل أحداثها ، و ذلك أنه كان هجاء يجر صاحبه إلى معارك متلاحقة مع الشعراء ، أو القبائل ، أو الحكام . ومن ذلك انه كان يهاجي الأشهب بن أبيه ، ففر إلى المدينة ، حيث كان سعيد بن العاص بن أمية واليا عليها ، وطلب حمايته قائلا : إليك فررت منك ومن زياد * ولم أحسب دمى لكمــــــا حلالا ولكنى هجوت وقد هجانـي * معاشر وقد رضخت لهم سجالا( ) فان يكن الهجاء أحل قتـلى * فقد قلنا لشاعرهم وقـــــالا ( ) كما هجا خالد بن عبد الله القسري ، الذي كان واليا على العراق ، وهجا معه مالك بن المنذر رئيس شرطة البصرة . وكان خالد قد حفر نهرا ، سماء المبارك . كما نصر مالكا أمير شرطته على عبد الأعلى بن عبد الله الذي ادعى على مالك أنه اغتصب منه قرية. حيث قال : أهلكت مال الله في غير حــقــه * على النهر المشئوم غبر المبارك وتضرب أقواما صحاحا ظهورهم * وتترك حق الله في ظـهر مــالك أأنفاق مال الله في غير كـــهنه * ومنعا لحق المرملات الضرائك ( ) وكان أن سجنه خالد القسري ( ). هذا ومثل ذالك من أحداث كثير ، فله قصص كثيرة مع الولاة ، ومع النساء ، ومع القبائل ، مما يدل على حياة مليئة بالأحداث والاضطرابات . أما أخلاقه فقد كان محبا للحياة ومتعها ، ولهذا كان يفرق من كل ما يهدد حياته ، حتى عرف عنه الجبن ، فقد مر به ـ وهو جالس بالبصرة ـ شرطيان من قومه يركبان دابتهما ليفزعاه ، فأدبر موليا ، فعثرت في طرف ثوبه فشقه وانقطع نعله ، وانصرفا عنه ، فعرف أنهما هزئا منه( ) ولهذا نراه يقبل على الحياة و متاعها ، ولا يصده شيء عن ذلك ولا يقف عند حد ، فهو يقبل على الطعام والشراب والنساء ، وما يستتبع ذلك من طلب للمال عن طريق المدح والهجاء . وهناك روايات كثيرة متنوعة ، تدل على شدة ولعه بالنساء والخمر ، وإتيان ما حرم الله . هذا وكان يدافع عن حياته واستمتاعه بالفرار جبنا ، أو بفاحش القول هجاء .
شعره وشاعريته : نشأ الفرزدق بالبصرة أو قريبا منها والبصرة كانت وستظل إلى فترة طويلة ، موئلا للأدب والشعر ، والعلم والفكر ، وقد ورثت سوقها المربد سوق عكاظ ، منبرا للشعر والشعراء . بلغ الفرزدق مرتبة الشعراء ، في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد أخذه أبوه غالب إلى الخليفة علي ، بعد موقعة الجمل بالبصرة ، وقال له : " إن ابني هذا من الشعراء مضر فاسمع منه " كما روي عنه أنه قال : " كنت أجيد الهجاء في أيام عثمان( ) " وقد وفد على معاوية وهو غلام ، وطلب مال عمه الحتات ، وذالك أن عمه كان قد وفد على معاوية ، فأعطاه جائزته ألف دينار ، كما أعطى غيره ، ولكن الحتات مرض ، فأقام عند معاوية حتى مات ، فادخل مالـه في بيت المال ، فقال بين يديه : أبوك وعمي يامعاوي أورثا ... تراثا فأولى بالتراث أقاربه ) ( فما بال ميراث الحتات أكلته ... وميراث حرب جامد لك ذائبه ) ( فلو كان هذا الأمر في جاهلية ... علمت من المولى القليل حلائبه ) ( ولو كان هذا الأمر في ملك غيركم لأداه لي أو غض بالماء شرابه( ) وهذا الشعر يدل على نضج شعر الفرزدق في تلك الفترة ، و أنه لم يكن من أوائل شعره ، مما يؤكد أنه بدأ الشعر قبل ذالك بزمن . ومن أوائل شعره ما قاله في بني فقيم حينما عادوا مصالحين على دية بعد أن اخرجوا مطالبين بالثأر : لقد آبت وفود بني فقيم * بآلم ما تئوب به الوفود وكذلك شعره الذي قاله حينما أغار الذئب على غنم كان يرعاها لأمه ، وهو غلام ، فأخذ الذئب كبشا فلامته أمه . فقال : ولا ئمتي يوما على ما أتت به * صروف الليالي والخطوب القوارع فقلت لها : فيئي إليك وأقصري * فـ،أؤم الفتى سيف بوصــله قاطـع تلوم على أن صبح الذئب ضأنها * فألوى بحبش وهو في الرعى راتع( ) وقد خاص في أغراض الشعر المختلفة ، فمدح ورثى ووصف وتغزل ، ولكن الفخر والهجاء الذي استأثر بمعظم شعره ، فقد دخل مع جرير معركة هجائية ، امتدت زمنا طويلا ، وقد مت لتاريخ الأدب نتاجا ضخما من شعر الهجاء الذي يختلط به الفخر . وهناك ـ غالبا ، وبخاصة في شعر النقائض ـ تلازم بين الهجاء والفخر ، فالشاعر يهجو منافسه أو عدوه ، ويفخر بنفسه وقبيلته . وقد ساعد الفرزدق على كثرة الفخر و الإجادة فيه ، و تميزه على صاحبيه : جرير والأخطل ، في ذالك ، نسبه و أمجاد قومه ، فأبوه غالب كان أحد أجود العرب في ذلك قصص تروى ( ). وجده صعصعة هو الذي يقول فيه الفرزدق : وجدي الذي منع الوائدين * و أحيا الوئيد فلم يوأد ( ) وجدته ليلى بنت حابس بن عاقل ، أخت الأقرع بن حابس ( ) الصحابي وقد اشتهر بأنه من أكثر الشعراء بيتا مقلدا ، وهو البيت المستغنى بنفسه الذي يتمثل به ، ومن ذلك قوله : وكنا إذا الجبار صعر خده * ضربناه حتى تستقيم الأخادع( ) وقوله : قوراص تأتيني وتحتقرونها * وقد يملأ القطر الإناء فيفعم ( ) كما اشتهر بأنه يدخل الكلام ، وقد أصبح هذا الشعر الذي لا يستقيم تركيبه بضاعة رائجة عند النحاة . ومن ذلك قوله على سبيل المثال : وأصبح ما في الناس إلا مملكا * أبوه أمه حي أبو يقاربه( ) و أصل التركيب و أصبح ما في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه أي لا حي يشابه خال الملك إلا الملك ، الذي جده أبوه خاله ( ).. وكان هو و جرير و الأخطل أبرز شعراء العصر الأموي ، حتى ان النقاد والرواة لم يستطيعوا أن يقطعوا برأى في تفضيل أحدهم ، فتارة يفضلون هذا ، وتارة يفضلون ذاك أو ذلك . وقد فضل أبو الفرج الأصفهاني ، الفرزدق و جريرا على الأخطل ، ثم قال : إن الناس اختلفوا في أيهما أشعر " وهم في ذالك طبقتان ، أما من كان يميل إلى الجزالة الشعر وفخامته وشدة آسره ، فيقدم الفرزدق وأما من كان يميل إلى أشعار المطبوعين ، والى كلام السمح السهل الغزل فيقدم جريرا "( ) . وقد مات الفرزدق سنة عشر ومائة ، وقيل سنة أربع عشرة ومائة ( ). | |
|