ومن البَيِّن الـجَلِىّ أن الموسوى لا يعرف أن فى اللغات شيئا اسمه الرمز والتمثيل والتقريب والتجسيد والتشخيص... إلخ مما لا يُؤْخَذ على حقيقته بل يُنْظَر إليه على أنه مجاز، والمجاز شَطْر الـحُسْن كما قرأتُ مرة للسيوطى رضى الله عنه. أما قوله إن معنى الحديث هو مما ورد فى القرآن المجيد، ومن ثم لا حاجة بنا إلى حديث يرويه أبو هريرة، فهو أبعث ما سمعت من كلام على الضحك والقهقهة، إذ من المعروف أنه لا يوجد فى الأحاديث شىء لم يرد فى كتاب الله على نحو أو على آخر. فهل معنى ذلك أن نسقط الأحاديث كلها من حسابنا ما دام الأمر كذلك؟ ألا شاهت الأذهان الكليلة الضيقة العطن والقلوب التى ينغل فيها دود الحقد! ويبقى قوله إن المرأة إذا كانت مؤمنة فلن يضرها تعذيبها القطة، وإن كانت كافرة فهى فى النار سواء عذبت القطة أو لا. وهو قولُ من لا يفهم أن الشخص قد يكون بينه وبين الجنة أو النار مسافةٌ جِدُّ قصيرةٍ فيعمل عملا صغيرا يقطع هذه المسافة، فإذا به فى الفردوس أو فى الجحيم. وهذا لو كان تعذيب القطة أمرا هينا كما يؤكد بكل برود قلب. ألم يقرأ أن الراحمين يرحمهم الرحمن، وأنه لم تُنْزَع الرحمة إلا من قلب شقى، وأنه فى كل كبدٍ رطبةٍ أجرا؟
أما ما كتبه فى السطور التالية فينطبق عليه ما جاء فى الأمثال الشعبية من أن "العناد يولّد الكفر"، إذ المعروف لكل من هب ودب أن الإسلام يؤثر اليمين على الشمال، وأن الأول يرتبط فيه بالبركة والخير، فيما يرتبط الأخير بالشؤم واللعنة، وأن النبى كان دائما ما يأمر أتباعه بالتيامن. ومع ذلك كله فإن الموسوى، جَرّاء حمقه ونزقه وتعصبه الذميم، يزعم أن عليا حين سمع أبا هريرة يدعو إلى التيامن فى الوضوء أعلن أنه سوف يبدأ يأعضائه اليسرى لا لشىء إلا ليخالف أبا هريرة، وكأن أبا هريرة هو صاحب دعوة التيامن لا رسول الله. قال الموسوى: "إن عليا لما بلغه حديث أبي هريرة قال: ألا إن أكذب الناس (أو قال: أكذب الاحياء) على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي. ومنها أنه بلغ عليا أن أبا هريرة يبتدئ بميامينه فقال: لأخالفن أبا هريرة". ولا تعليق ولا تعقيب، فإن الحق أبلج، والباطل لجلج! ومن باطل المؤلف أنه نال من علىٍّ هذا النَّيْل البشع بحماقته ورعونته، وهو يحسب أنه بالتطاول على أبى هريرة إنما يحسن صنعا!
ويقول، فض الله فاه، عن نسب صحابينا الكريم (ص18 وما بعدها): "كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا لا يحاط به ولا يُضْبَط في الجاهلية والاسلام، وإنما يُعْرَف بكنيته، ويُنْسَب إلى دوس، وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث. أما أبوه فقد قيل إن اسمه عمير، وإنه ابن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس". وهو كلام لا يصح صدوره من مسلم، فالإسلام لا يعرف هذه المقاييس الجاهلية التى يتمحك فيها الموسوى، إذ العبرة فى أبى هريرة وغيره أنه مسلم يحب دينه ورسوله وينصح لهما بكل ما لديه من إخلاص ووفاء. ولقد كان القرآن حاسما فى هذا الموضوع تمام الحسم، وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا أريد أن أدخل فى هذه المتاهة التى يريدنا الكاتب الدخول فيها، فهى متاهة جاهلية ينكرها دين النبى الكريم إنكارا باتا لا مراء فيه، ولكنى أفترض أن كل ما قاله كلام صحيح، فهل لأبى هريرة دخل فى هذا، أو عليه فيه مسؤولية؟ لقد وجدالرجل نفسه فى مثل هذا الوضع، فما ذنبه فى ذلك؟ أم ترى أيًّا منا يمكنه اختيار الأسرة أو البيئة التى يولد فيها؟ إن كان فليقل لنا الموسوى بعلم، ونحن له من التابعين. لكنه لا هو ولا مليار مثله بل ولا البشرية كلها من لدن آدم إلى آخر ولد من أولاد آدم سوف تنقض فوق رأسه السماء يوم النفخ فى الصور يستطيع ذلك. ثم إنه عاد فقال إن أباه هو فلان بن فلان، وإن أمه هى فلانة بنت فلان. وإذن فلأبى هريرة أب وأم معروفان، ولم يكن مغمور النسب كما زعم الموسوى فى أول الأمر. وعلى كل حال ألا يكفى أن يمت إلى الرسول بنسبه؟ أقصد نسبه الإيمانى، وهو النسب الذى يضعه الإسلام فوق كل الأنساب.